إلا أن هذه العبادات تبني ذلك المسلم المصلح لمجتمعه؛ فصلاته تنهاه عن الفحشاء والمنكر (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) فإذا دخل المصلي في محرابه وخشع وأخبت لربه وذكر أنه واقف بين يديه سبحانه،وأنه مطلع عليه ويراه صلحت لذلك نفسه وتذللت، وظهرت على جوارحه هيبتها، ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى ما كان عليه .
وأما الزكاة فهي تزكي النفس وتطهّرها من رذائل الأنانية المقيتة والأثرة القبيحة والشح الذميم وبهذه التزكية يرتقي الإنسان في معارج الكمال والعطاء وصدق الله العظيم إذ يقول { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا } .
والحج والصوم ثمرتهما التقوى ففي الحج قال تعالى: (..وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) و (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ) وفي الصوم قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) .
فتخيل شخصية من اتصف بتقوى الله تعالى فلم يترك شيئًا مما أمر الله به إلا وفعله، ولا شيئًا مما نهى الله عنه إلا تجنبه كيف يكون بناؤه لمجتمعه وإصلاحه له فهو يميط الأذى عن الطريق لأن عبادته علمته ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة،في شجرة قطعها من ظهر الطريق،كانت تؤذي الناس) رواه مسلم ويجتهد في عون الناس ففي الحديث: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه..) رواه مسلم.
وهو سليم الصدر يسارع لتأليف القلوب صابر على أذى الناس فلا يُبقي بينه وبين أخيه شحناء خشية فوات المغفرة قال صلى الله عليه وسلم :(تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً،إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء.فيقال:انظروا هذين حتى يصطلحا) رواه مسلم .
ويصل رحمه ففي الحديث (الرحم معلقة بالعرش، تقول:من وصلني وصله الله،ومن قطعني قطعه الله) رواه مسلم .
ولا يغتاب أو يظن ظن السوء بل يسارع للرد عن عرض أخيه (من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) رواه أحمد والترمذي .
كل ذلك للوصول إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا بلى قال: إصلاح ذات البين وفساد ذات البين هي الحالقة) رواه أحمد .
فالإصلاح بين الناس عبادة عظيمة يحبها الله سبحانه وتعالى والمصلح هو المسلم الذي أثرت فيه عبادته من صلاة وصيام وزكاة وهو الإنسان الذي نحتاجه لأيامنا هذه والذي يجب أن يكون كلنا هو ليصلح مجتمعنا ويعود كما كان قوة وتآلفاً وتعاوناً وإيثاراً واستمع لأحاديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم التي تبين أن إفساد المجتمع وإيذاءه يستهلك كل حسنات الإنسان ويفلسه فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتدرون ما المفلس قالوا المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المفلس من أمتي من يأتى يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيقعد فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار) رواه الترمذي .
ثم إنه عليه الصلاة والسلام قد أخبر عن امرأة أنها من أهل النار مع صلاتها وصدقتها وصيامها، لأنها كانت تؤذي جيرانها، ففي الحديث قال رجل: (يا رسول الله! إن فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال: هي في النار، قال: يا رسول الله! فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الإقط -الإقط هو اللبن المجفف، وهو من الشيء الزهيد- ولا تؤذي جيرانها، قال: هي في الجنة) رواه أحمد . فما نَفَعَ تلك المرأة كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها؛ لأنها تؤذي جيرانها فالأجر كل الأجر فيما يتعدى نفعه لناس ، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة) رواه الترمذي بسند حسن .
فالناس لا ينتفعون بصلاتك وصيامك بل بحسن خلقك وصدقتك وصبرك وجهادك يأتي بشير بن الخصاصية رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبايعاً فيطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستثني له الزكاة والجهاد فيقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ويقول: (يا بشير لا صدقة ولا جهاد فبم تدخل الجنة ؟ قال بشير ثم قلت يا رسول الله ، أبايعك فبايعني عليهن كلهن) وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أحب الناس إلى الله أنفعهم،وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا ، أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن اعتكف في المسجد شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل) رواه الطبراني .
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم، فلما استُخلف قالت جارية منهم :الآن لا يحلبها ، فقال أبو بكر: بلى وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله .
ويرى طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه عمر َبن الخطاب رضي الله عنه يدخل بيتاً ليلاً فدخل إليه طلحة نهاراً فإذا عجوز عمياء مقعدة، فسألها:ما يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت:هذا له منذ كذا وكذا يتعاهدني، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى.فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة عثرات عمر تتبع؟! .
وكان حكيم بن حزام رضي الله عنه يحزن على اليوم الذي لا يجد فيه محتاجاً ليقضي له حاجته فيقول:ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة، إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها.
فليراجع كل منا خُلُقَهُ وهل أثرت عبادتُه في تغييره فأزالت ما في قلبه من غل وحسد وبغض وشح وأبدلتها حباً وإيثاراً وكرماً وجوداً وصبراً
نسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا و يجعلنا هداة مهتدين اللهم آمين