A.M عضو نشط
عدد المساهمات : 95 تاريخ التسجيل : 06/05/2009 العمر : 38
| موضوع: غض البصر الأحد يونيو 14, 2009 6:05 pm | |
| غض البصر
لقد أسبغ الله علينا نعمه، وأتم علينا فضله، فنعمه وأفضاله لا تعد ولا تحصى، ومن أعظم تلك النعم نعمة البصر يقول الله جل جلاله: (( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ )) (الملك:23) .ومن عظيم قدر هذه النعمة أن الله تعالى أبدل من سلب منه عينيه فصبر الجنة، قال- صلى الله عليه وسلم- : (( إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه ثم صبر، عوضته الجنة )) رواه البخاري . إننعمة البصر من أعظم النعم إذا استخدمها العبد في طاعة الله عز وجل، فينظربها إلى عظمة الله عز وجل، ويتفكر في ملكوت السماوات والأرض، ويستعين بهماعلى الطاعة، وتدبير أمر معاشه. أماإذا كانت خلاف ذلك، فإنها تكون سبباً للحسرة في الدنيا والندامة فيالآخرة، ولذا جاء الأمر الإلهي للمؤمنين كآفة بغض البصر وحفظه، قال تعالى:(( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْأَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّاللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )) (النور:30) .قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ:( هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرمعليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عنالمحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرمٍ من غير قصد، فليصرف بصره عنهسريعاً ). ولما كان إطلاق البصر سبباً لوقوع الهوى في القلب، أمر الشرع بغض البصر عما يخاف عواقبه.قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: معلقاً على حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم-: (( كتب على ابن آدم حظه من الزنا ..)) رواه مسلم.قال: ( فبدأ بزنا العين لأنه أصل زنا اليد والرجل، والقلب والفرج. فاحذر يا أخي من شر النظر، فكم أهلك من عابد، وأفسد من شاب وكهل، وتلمح معنى قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: (( النظر سهم مسموم )) رواه أحمد .لأنالسم يسري إلى القلب، فيعمل في الباطن قبل أن يرى عمله في الظاهر، فاحذرمن النظر فإنه سبب الآفات، يروى أنه كان بمصر رجل يلزم مسجداً للأذانوالصلاة، وعليه بهاء الطاعة وأنوار العبادة، فرقى يوماً المنارة على عادتهللأذان، وكان تحت المنارة دار لنصراني، فاطلع فيها فرأى ابنة صاحب الدارفافتُتِن بها، فترك الأذان ونزل إليها، ودخل الدار عليها، فقالت له: ماشأنك ؟ وما تريد ؟ قال: أريدك، قالت: لماذا ؟ قال: أتزوجك، قالت: أنت مسلموأنا نصرانية، وأبي لا يزوجني منك، قال: أتنصر، قالت: إن فعلت أفعل، فتنصرالرجل ليتزوجها، وأقام معهم في الدار، فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقىإلى سطح كان في الدار فسقط منه فمات، فلم يظفر بها، وفاته دينه، إنها نظرةيظنها البعض يسيرة ولكنها ساقته إلى أن يترك ملة محمد- صلى الله عليهوسلم- . كل الحوادث مبدأها من النظـر ومعظم النار من مستصغر الشرركم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتـروالمرء ما دام ذا عين يقلبـــها في أعين الغيد موقوف على خطريسر مقلته ما ضر مهجــــته لا مرحباً بسرور عاد بالضـررإنفتنة النظر إلى ما حرم الله أصل كل فتنة، ومنجم كل شهوة، فالنظر هو رائدالشهوة ورسولها، وحفظه أصل حفظ الفرج، قال- صلى الله عليه وسلم- : ((إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينالنظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله أويكذبه )) متفق عليه .وعنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال لعلي بن أبي طالب: (( يا علي، إن لك كنزاً في الجنة، فلا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة )) رواه أحمد .وهذاخطاب لعلي0 رضي الله عنه0 مع علمه- صلى الله عليه وسلم- بكمال زهده وورعه،وعفة باطنه، وصيانة ظاهرة، يحذره من النظر، ويؤمنه من الخطر، لئلا يدعيالأمن كل بطال، ويغتر بالعصمة والأمن من الفتنة: (( أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ )) (الأعراف:99) .إنمن الناس من يغض طرفه إن كان ثم ناظر إليه، وهو في حقيقة الأمر يتحسر علىفوات هذه الفرصة، وفي ذلك يقول ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: (( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ )) (غافر:19) .هوالرجل ينظر إلى المرأة الحسناء تمر به، أو يدخل بيتاً هي فيه، فإذا فُطنله غض بصره، وقد علم الله أنه يود لو اطلع على فرجها، ولو قدر عليها لوزنى بها، [1] نسأل الله العفو والعافية . لقدشاع بين الناس كثرة النظر إلى المحرمات في الشاشات، وعلى صفحات المجلات،وهي دواعي الفتنة والشهوة، والنفس مولعة بحب النظر إلى الصور الجميلة،والعين رائد القلب، فيبعث رائده لنظر ما هنالك، فإذا أخبره بحسن المنظورإليه وجماله تحرك اشتياقا إليه، وكثيرا ما يتعب رسوله ورائده، وفي ذلكيقول القائل : وكنت متى أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المنظـاررأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابرولكنإذا كف الرائد عن الكشف والمطالعة استراح القلب من كلفة الطلب والإرادة،فمن أطلق نظراته دامت حسراته، ووقع في الأسر فصار أسيرا بعد أن كان ملكا،ومسجوناً بعد أن كان مطلقا، يتظلم من الطرف ويشكوه، والطرف يقول: أنارائدك ورسولك وأنت بعثتني .كسبت لقلبي نظرةً لتـسـره عيني فكانت شقوة ووبــالاما مر بي شيء أشد من الهوى سبحان من خلق الهوى وتعالىفليحذر كل مسلم ذلك، وليعلم أنه محاسب على الخطرة والهفوة، وعلى التبسم والنظرة . أعلم أن الذنوب قد تكون حجاباً عن الخاتمة الحسنة، ولهذا كان من شدة ورع السلف وحرصهم على حفظ أبصارهم ما قاله ابن سيرين ـ رحمه الله ـ: إني أرى المرأة في المنام فأعرف أنها لا تحل لي، فأصرف بصري عنها .وقال سفيان:وكأنه يحدثنا ويرى واقعنا: عليك بالمراقبة لمن لا تخفى عليه خافية، وعليكبالرجاء ممن يملك الوفاء، وعليك بالحذر ممن يملك العقوبة . وصيانةللقلوب، وحفظاً لطهارة النفوس، فقد حذر النبي- صلى الله عليه وسلم- مناتخاذ جميع الوسائل التي تفضي إلى تحريك الشهوة، والوقوع في الحرام، يقول-صلى الله عليه وسلم-: (( لا تنعت ـ أي لا تصف ـ المرأةُ المرأةَ لزوجها كأنه ينظر إليها )) رواه البخاري .فانظريا رعاك الله كيف نهى النبي- صلى الله عليه وسلم- عن وصف المرأة لزوجهاصفة امرأة أجنبية، لئلا تسمو همته إليها، لأن الوصف يقوم مقام النظر . يقول- صلى الله عليه وسلم- : ((اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذاوعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم )) رواه أحمد .ألا إنها دعوة لأن نمتع أبصارنا بتلاوة كتاب ربنا آناء الليل وأطراف النهار . ألا إنها دعوة لأن نطلق أبصارنا لترى عظمة صنع الخالق جل جلاله، ليكون ذلك في ميزان الحسنات . ألا إنها دعوة لأن نغض أبصارنا عما حرم الله، لنذوق حلاوة الإيمان والتي هي أطيب وأحلى مما تركته لله، فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه .
| |
|